البحر مساحة واسعة لا تنتهي، يلمع تحت أشعة الشمس نهاراً ويغدو غامضاً تحت ضوء القمر ليلاً. لكنه ليس مجرد مياه مالحة تمتد إلى الأفق، بل هو خزان أسرار لا تنكشف بسهولة.
في أعماقه تختبئ حكايات السفن الغارقة، التي ابتلعتها الأمواج عبر القرون. لكل سفينة قصة لم تُروَ كاملة، من بحارة حلموا بالوصول إلى اليابسة، إلى تجار فقدوا بضائعهم، أو مغامرين لم يعودوا أبداً. هذه الحطام الصامتة تحوّلت مع الزمن إلى موطن للشعاب المرجانية والأسماك، لتصبح جزءاً من دورة حياة جديدة.
وليس البشر وحدهم أصحاب الأسرار؛ فالبحر يخفي مخلوقات لم تُكتشف بعد. كلما تعمق العلماء أكثر، وجدوا كائنات غريبة الأشكال والخصائص، وكأنها رسائل من عالم آخر. بعض هذه الكائنات قادر على إنتاج الضوء بنفسه في ظلام الأعماق، في مشهد يبدو كالسحر.
كما أن البحر شاهد على تاريخ الحروب. في قاعه تختبئ غواصات حربية وقطع بحرية تحمل آثار صراعات مضت. إنها شواهد صامتة على نزاعات البشر، لكنها اليوم لا تُرى إلا في خرائط الغواصين أو صور الأقمار الاصطناعية.
ورغم أن البحر يبتلع الكثير، إلا أنه أيضاً يهب الحياة. فمن أعماقه تأتي الثروات السمكية التي تغذي الملايين، ومن أمواجه تستمد الشعوب إلهامها في الأدب والفن. إن البحر، بقدر ما يخفي من أسرار، يمنح في المقابل معاني لا تُحصى.
يبقى البحر رمزاً للغموض والدهشة، يبتلع الأسرار لكنه لا يفنيها، بل يحفظها في ذاكرة أعمق من أن تُسرد كاملة.