الزمن هو النهر الخفي الذي يعبر بنا دون أن نشعر، فهو لا يُرى ولا يُلمس، ومع ذلك يترك أثره في كل شيء حولنا. تتغيّر ملامح الوجوه، تتبدّل الفصول، وتتعاقب الأيام، وكلها إشارات على مرور هذا الضيف الصامت الذي لا يتوقف.
من منظور الإنسان، الزمن هو المقياس الذي ننظم به حياتنا: ساعات، أيام، سنوات. لكنه في الحقيقة أعمق من مجرد أرقام. فالزمن قد يمر سريعاً حين نعيش لحظات الفرح، ويتباطأ بشكل مرهق في أوقات الألم أو الانتظار. إنه شعور شخصي بامتياز، يختلف من شخص لآخر بحسب ما يعيشه في لحظاته.
الزمن أيضاً شاهد على الحضارات. فآثار المدن القديمة، والكتب العتيقة، والتماثيل المنحوتة، كلها تحمل بصمته. وكأن الزمن يترك توقيعه على كل ما يمرّ به، ليصبح مرجعاً للذاكرة الإنسانية.
لكن أعظم ما يميز الزمن أنه لا يعود. كل لحظة تمر تصبح جزءاً من الماضي، ولا يمكن استرجاعها مهما حاولنا. لذلك يذكّرنا الزمن دائماً بقيمة الحاضر، وبأن كل دقيقة هي فرصة يجب أن تُعاش بكل معناها.
ورغم أننا لا نراه، إلا أن الزمن يعلّمنا دروساً خفية: أن كل شيء فانٍ، وأن البقاء الحقيقي هو للأثر الذي نتركه بعد رحيلنا. فالزمن يمحو الكثير، لكنه يخلّد من استطاع أن يترك بصمة لا تُمحى في قلوب الناس أو في صفحات التاريخ.
إنه اللغز الأبدي: الزمن الذي لا نراه، لكنه يرسم ملامح وجودنا منذ البداية وحتى النهاية.